فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (3):

{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
أي يا ذريةَ مَنْ حملنا مع نوح- على النداء.. إنه كان عبداً شكوراً.
وكان يضرب في كل (...) كما في القصة- سبعين مرة، وكان يشكر. كما أنه كان يشكر الله ويصبر على قومه إلى أن أوحى الله إليه: أنه لن يؤمن إلا من قد آمن، وأُمِرَ حين دعا عليهم فقال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح: 26]
ويقال الشكور هو الذي يكون شكره على توفيقِ اللَّه له لِشُكْرِه، ولا يتقاصر عن شكره لِنِعَمِه.
ويقال الشكور الذي يشكر بماله، ينفقه في سبيل الله ولا يدََّخِره، ويشكر بنفْسِه فيستعملها في طاعة الله، لا يُبْقِي شيئاً من الخدمة يدخره، ويشكر بقلبِه ربَّه فلا تأتي عليه ساعةٌ إلا وهو يذكره.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)}
القضاءُ هاهنا بمعنى الإعلام، والإشارة في تعريفهم بما سيكون في المُسْتَأنَفِ منهم وما يستقبلهم، ليزدادوا يقيناً إذا لقوا ما أُخْبِروا به، وليكونَ أبلغَ في لزوم الحُجَّةِ عليهم، وليحترزوا من مخالفة الأمر بجحدهم، وليعلموا أن ما سَبَقَ به القضاءُ فلا محالةَ يحصل وإنْ ظُنَّ التباعدُ عنه.

.تفسير الآية رقم (5):

{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)}
إن الله سبحانه يُعِدُّ أقواماً لأحوالٍ مخصوصةٍ حتى إذا كان وقتُ إرادته فيهم كان هؤلاء موجودين.

.تفسير الآية رقم (6):

{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)}
يدلُّ على أنه مُقَدِّرُ أعماله العباد، ومدبِّرُ أفعالِهم؛ فإِنَّ انتصارَهم على أعدائهم من جملة أكسابهم، وقد أخبر الحقُّ أنه هو الذي تولاَّه بقوله: {رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ}.

.تفسير الآية رقم (7):

{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}
إنْ أحسنتُم فثوابِكم كسبتم، وإنْ أسأتم فعداءَكم جَلَبْتُم- والحقُّ أعزُّ مِنْ أَنْ يعودَ إليه من أفعال عبادِه زَيْنٌ أو يلحقه شَيْنٌ.

.تفسير الآية رقم (8):

{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)}
قوله جلّ ذكره: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ}.
كلمةُ {عَسَى} فيها ترجية وإطماع، فهو- سبحانه- وقفهم على حد الرجاء والأمل والخوف والوجل.
وقوله: {عَسَى}: ليس فيه تصريح بغفرانهم، ورحمتهم، وإنما فيه للرجاء موجِبٌ قويٌّ؛فبلطفه وعد أن يرحمكم.
قوله جلّ ذكره: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَأ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلّكَافِرِينَ حَصِيراً}.
أي إنْ عُدْتُم إلى الزَّلَّة عُدْنا إلى العقوبة، وإن استقمتم في التوبة عدنا إلى إدامة الفضل عليكم والمثوبة.
ويقال إن عُدْتُم إِلَى نَقْضِ العَهْد عُدنا إلى تشديد العذاب.
ويقال: إن عُدْتُم للاستجارة عدنا للإجارة.
ويقال إن عُدتُم إلى الصفاء عدنا إلى الوفاء.
ويقال إن عُدْتُمْ إلى ما يليق بكم عُدْنا إلى ما يليق بكرمنا.
{جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلّكَافِرِينَ حَصِيراً} لأنهم (...) وهم ناس كثير فهذه جهنم ومن يسكنها من الكافرين.
و{حَصِيراً} أي محبساً ومصيراً. فالمؤمنُ- وإنْ كان صاحبَ ذنوب وإنْ كانت كبيرة- فإنَّ مَنْ خرج من دنياه على إيمانه فلا محالةَ يصل يوماً إلى غفرانه.

.تفسير الآية رقم (9):

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
القرآنُ يدل على الحقِّ والصواب. و{أَقْوَمُ}: هنا بمعنى المستقيم الصحيح كأكبر بمعنى الكبير؛ فالقرآن يدل على الحق والصواب، ولكنَّ الخللَ من جهة المُسْتَدِلِّ لا الدليل، إذ قد يكون الدليل ظاهراً ولكنَّ المستدِلَّ مُعْرِضُ، وبآداب النظر مُخِلٌّ، فيكون العيبُ في تقصيره لا في قصور الدليل.
والقرآنُ نورٌ؛ مَنْ استضاء به خَلَصَ من ظُلُماتِ جَهْلِه، وخرج من غمار شَكِّه. ومَنْ رَمَدَتُ عيونُ نظرِه التبس رُشْدُه.
ويقال الحَوَلُ ضَرَرُه أشدُّ من العَمَى؛ لأَنَّ الأعمى يعلم أنه ليس يُبْصِر فَيَتْبَعُ قائدَه، ولكن الأحول يتوهَّمُ الشيء شيئين نفهو بتخيُّلِه وحسبانه يماري مَنْ كان سليماً.. كذلك المبتدِعُ إذا سَلَكَ طريقَ الجَدَل، ولم يضع النظر موضعهه بَقِيَ في ظُلُماتِ جَهْلِه، وصال بباطل دعواه على خَصْمِه، كما قيل:
بأطرافِ المسائلِ كيف يأتي...- ولا أَدْرِي لَعَمْرُكَ- مُبْطِلُوها؟

.تفسير الآية رقم (11):

{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
من الأدب في الدعاء أََلاَّ يسألَ العبدُ إلاَّ عند الحاجة، ثم ينظر فإنْ كان شيءٌ لا يعنيه ألا يتعرَّضَ له؛ فإنَّ في الخبر: «مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ثم من آداب الداعي إذا سأل من اللَّهِ حاجَته ورأى تأخيراً في الإجابة إلا يَتَّهَم الحقَّ- سبحانه- ويجب أن يعلم أن الخير في ألا يجيبَه، والاستعجالُ- فيما يختاره العبد- غيرُ محمود، وأوْلى الأشياءِ السكونُ والرضا بحُكْمِه سبحانه، إن لم يساعدْه الصبر وسَأَلَ فالواجبُ تَرْكُ الاستعجال، والثقةُ بأنَّ المقسومَ لا يفوته، وأَنَّ اختيارَ الحقِّ للعبد خيرٌ له من اختياره لنفسه.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}
جعل الليلَ والنهارَ علامةً على كمال قدرته، ودلالةً على وجوب وحدانيته؛ في تعاقبهما وتناوبهما، وفي زيادتهما ونقصانهما.
ثم جعلهما وقتاً صالحاً لإقامة العبادة، والاستقامة على معرفة جلال إلهيته؛ فالعبادةُ شرطُها الدوامُ والاتصال، والوظائف حقُّها التوفيق والاختصاص.
ولو وقع في بعض العبادات تقصيرٌ أو حَصَلَ في أداءِ بعضِها تأخيرٌ تَدَارَكَه بالقضاءِ حتى يَتَلاَفَى التقصير.
ويقال من وجوه الآيات في الليل والنهار إفرادُ النهار بالضياء من غير سبب، وتخصيصُ الليل بالظلام بغير أمرٍ مكتسب، ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَحَوْنَا ءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَا ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}: وهو اختلاف أحوال القمر في إشراقه ومحاقة، فلا يبقى ليلتين على حال واحدة، بل هو في كل ليلة في منزل آخر، إما بزيادة أو بنقصان.
وأمَّا الشمس فحالها الدوام.. والناس كذلك أوصافهم؛ فأربابُ التمكين الدوامُ شرطُهم، وأصحابُ التلوينِ التنقلُ حَقُّهم، قال قائلهم:
ما زلت أنزل من ودادك منزلاً ** تتحير الألبابُ دون نزوله.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
ألزم كلَّ أحدٍ ما لَبِسَ بجِيدِه. فالذين هم أهلُ السعادة أسرج لهم مركبَ التوفيقَ، فيسير بهم إلى ساحات النجاة، والذين هم أهل الشقاوة أركبهم مَطِيَّةَ الخذلان فأَقْعَدَتْهم عن النهوض نحو منهج الخلاص، فوقعوا في وَهْدَةِ الهلاك.

.تفسير الآية رقم (14):

{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
مَنْ ساعَدَتْه العنايةُ الأزليةُ حِفظَ عند معاملاته مما يكون وبالاً عليه يوم حسابه، ومَنْ أبلاه بحْكْمِه رَدَّه وأهمْهَلَه، ثم تركه وعَمَلَه، فإذا استوفى أَجَلَه عرف ما ضيَّعَه وأهمله، ويومئذ يُحْكُمِه في حالِ نفسه، وهو لا محالةَ يحكم بنفسه باستحقاقه لعذابه عندما يتحقق من قبيح أعماله... فكم من حسرةٍ يتجرَّعُها، وكم من خيبةٍ يتلقَّاها!
ويقال مَنْ حَاسَبَه بكتابه فكتابةُ مُلازِمُه في حسابه فيقول: رَبِّ: لا تحاسبني بكتابي.. ولكن حاسِبْنِي بما قلتَ: إِنَّكَ غافرُ الذَّنْبِ وقابلُ التوبِ.. لا تعاملني بمقتضى كتابي: ففيه بواري وهلاكي.

.تفسير الآية رقم (15):

{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قوله جلّ ذكره: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}.
قضايا أعمال العبد مقصورةٌ عليه؛ إنْ كانت طاعةً ففضياؤها لأصحابها، وإنْ كانت زَلَّةً فبلاؤها لأربابها. والحقُّ غنيٌّ مُقَدَّسٌ، أَحَدِيٌّ مُنَزَّهٌ.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}.
كُلُّ مُطَالَبٌ بجريرته. وكلُّ نَفْسٍ تحمل أوزارها لا وِزْرَ نَفْسٍ أخرى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}: دلَّ ذلك على أن الواجبات إنما تَتَوَجَّهُ من حيث السمع.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
إذا كَثُرَ أهلُ الفسادِ غَلَبُوا، وقَلَّ أهل الصلاح وفقدوا: فعند ذلك يغمر اللَّهُ الخَلْقَ ببلائه، ولا يكون للناس ملجأ من أوليائه ليتكلموا في بابهم، ولا فيهم من يبتهل إلى اله فَيُسْمَعُ دعاؤه، فَيَخْتَرِمُ أولياءَه، ويُبْقِي أربابَ الفساد، وعند ذلك يشتدُّ البلاءُ وتَعْظُمُ المِحَنُ إلى أن ينظرَ اللَّه تعالى إلى الخَلْق نَظَرَ الرحمةِ والمِنَّة.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
في الآية تسليةٌ للمظلومين إذا استبطأوا هلاكَ الظالمين، و(..) قِصَرِ أيديهم عنهم. فإذا فَكَّروا فيما مضى من الأُمم أمثالِهم وكيف بَنَوْا مَشِيداً، وأَمَّلُوا بعيداً.. فبادوا جميعاً، يعلمون أَنَّ الآخرين- عن قريب- سينخرطون في سلكهم، ويُمْتَحَنُون بمثل شأنهم. وإذا أظَلّتْهُم سُحُبُ الوحشة فاءوا إلى ظل ِّ شهود التقدير، فتزول عنهم الوحشة، وتطيب لهم الحياةُ، وتحصل الهيبة.

.تفسير الآية رقم (18):

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)}
مَنْ رَضِيَ بالحظ الخسيس من عاجل الدنيا بَقِيَ عن نفيس الآخرة، ثم لا يحظى إلا بِقَدْر ما اشْتَمَّهُ، ثم يكون آنسَ ما به قلباً وأشدَّ ما يكون به سكوناً ثم يُخْتَطَفُ عن نعمته، ولا يخصه بشيءٍ مما جمع من كرائمه، ويمنعه من قربه في الآخرة.. ولقد قيل:
يا غافلاً عن سماع الصوتْ ** إنْ لم تبادِرْ فهو الفوتْ

مَنْ لم تَزُلْ نعمته عاجلاً ** أزاله عن نعمته الموتْ

.تفسير الآية رقم (19):

{وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)}
علامة مَنْ أراد الآخرةَ- على الحقيقة- أن يسعى لها سَعْيْها؛ فإرادةُ الآخرة إذا تجرَّدَتْ عن العمل لها كانت مجرَّد إرادة، ولا يكون السعيُ مشكوراً. قوله: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}: أي من المآلِ كما أنه مؤمِنٌ في الحال. ويقال وهو مؤمن أنَّ نجاته بفضله لا بسببه.
{فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً} أي مقبولاً، ومع القبول بكون التضعيف والتكثير؛ فكما أن الصدقة يُرْبِيها كذلك طاعةُ العبدِ يُكْثِّرُها ويُنَمِّيها.

.تفسير الآية رقم (20):

{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)}
يجازي كلاً بِقَدْرِهِ؛ فَلِقَوْمٍ نجاة ولقومٍ درجات، ولقوم سلامة ولقومٍ كرامة، ولقومٍ مثوبتُه، ولقومٍ قربتُه.

.تفسير الآية رقم (21):

{انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}
التفضيلُ على أقسام، فالعُبَّاد فَضَّلَ بعضَهم على بعض ولكن في زكاء أعمالهم، والعارفون فَضَّلَ بعضَهم على بعض ولكن في صفاء أحوالهم، وزكاء الأعمال بالإخلاص، وصفاء الأحوال بالاستخلاص؛ فقومٌ تفاضلوا بصدق القَدَمِ، وقوم تفاضلوا بعلوِّ الهِمَم. والتفضيل في الآخرة أكبر: فالعُبَّادُ تفاضلهم بالدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: «إنكم لَتَرَوْنَ أهلَ عِلَّيين كما ترون الكوكبَ الدريَّ في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم».
وأهلُ الحضرةِ تفاضلُهم بلطائفهم من الأُنْس بنسيم القربة بما لا بيانَ يصفه ولا عبارة، ولا رمز يدركه ولا إشارة. منهم من يشهده ويراه مرةً في الأسبوع، ومنهم من لا يغيب من الحضرة لحظة، فهم يجتمعون في الرؤية ويتفاوتون في نصيبِ كلِّ أحد، وليس كلُّ مَنْ يراه بالعين التي بها يراه صاحبه، وأنشد بعضهم:
لو يسمعون- كما سمعتُ حديثها ** خَرَّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسجودا

.تفسير الآية رقم (22):

{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}
الذي أشرك بالله أصبح مذموماً من قِبَلِ الله، ومخذولاً من قِبَلِ مَنْ عَبَدَه من دون الله.